الفطر القاتل "الكمأة"

الفطر القاتل "الكمأة"

زين العابدين العكيدي | 21.02.2023 


مع بدء شهر فبراير / شباط من كل عام يبدأ موسم "الݘمه" بلهجة أهل البادية وشرق سوريا، أو الكمأة كما تُسمى بالفُصحى، وهي فطر موسمي ينبت في البادية، وجرت العادة أن يخرج الناس في رحلات جماعية لإلتقاطه، في الماضي كان يعتبر موسم الكمأة متنفساً لأهالي أرياف حمص وحماة ودير الزور والرقة للخروج برحلات عائلية والمبيت في البادية وجمع الكمأة، وبعد إنطلاق الثورة السورية وتطور الأحداث، وظهور مايسمى بتنظيم الدولة "داعش" وأنتشاره في البادية باتت عمليات جمع الكمأة خطيرة جداً ومميتة بالغالب. 

أعدادٌ كبيرة من المدنيين يفقدون حياتهم سنوياً بسبب الألغام المنتشرة في البادية والتي يزرعها داعش بالغالب لأصطياد عناصر النظام، وقسمٌ أخر تنتهي حياته على يد تنظيم داعش عادةً، وأعداد يتم خطفها من قبل التنظيم، ولعل أكبر مذبحة موثقة حصلت في البادية كانت تلك التي حدثت في بادية حماة في أبريل / نيسان 2021 والتي راح ضحيتها حوالي 70 شخصاً بين قتيل ومفقود، حيث هاجم داعش العشرات من ريف سلمية الذين كانوا يجمعون الكمأة، لكن هذا الموسم كان دامياً بشكل أكبر، شهر فبراير الجاري شهد نشاطاً كبيراً لتنظيم الدولة "داعش" في البادية وقبل وقوع المجزرتين بأيام، خلال الأيام الماضية وثقَ (11) هجوماً لداعش في الفترة الممتدة مابين بداية فبراير وصولاً لــ 21 من الشهر نفسه، توضح هذه الخرائط أماكن تلك الهجمات. 

📎 خرائط لمواقع هجمات داعش في باديتي حمص وحماة خلال فبراير الجاري لحدود اليوم 21.03.2023




في يوميّ الحادي عشر والسابع عشر من شهر شباط / فبراير الجاري، هزت سوريا أخبار مجزرتين داميتين في بادية حمص، راح ضحيتها أكثر من 60 قتيلاً وعشرات المفقودين، وتزامنت مع كارثة الزلزال المُدمر الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا، وتزامن الحدثين مع بعضهما البعض، مما ترك صدمةً كبيرة في قلوب السوريين. 

المجزرة الأولى حصلت بتاريخ 11.02.2023 حين قامت مجموعات تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية "‎داعش" بمهاجمة العشرات من الأشخاص "الكماية" أو "الݘمايه" وهم بغالبيتهم ‏مدنيين نساء وأطفال ورجال، من جامعي فطر الكمأة في بادية حمص، التنظيم باغتهم قرب منطقة "المّرير" الواقعة على الطريق بين محطتي T2 وT3 قبل منطقة المربعة في البادية الشامية، وأطلق النار على عدة سيارات تقل مدنيين وأحرق (3) منها، وقام بإعدام عدة أشخاص ميدانياً حسب شهادة ناجين تواصلت مع أثنين منهم، بينما أختطف داعش عدداً أخر من المدنيين لازال، ومن بين الوفيات نساء قُتلت أحداهن برصاصة في رأسها، التنظيم قبض على عدد كبير من جامعي الكمأة، وأجرى تحقيقا سريعاً وكل شخص يمتلك هوية عسكرية أو لا يجيدُ الصلاة قام بإختطافه، وأعداد المختطفين مجهولة لحد الأن خلال المجزرة الأولى، والمعلومات حول مصيرهم مبهمة كون مجموعة الكماية التي تعرضت للهجوم كان أفرادها من عدة مناطق من أرياف حماة وحمص ومن عدة عشائر، بعدها أفرج داعش عن عدد أخر منهم بساعات. 


 وحسب شهادة أحد الناجين "فقد هاجم التنظيم المجموعة بدايةً برشاشات مثبته على سيارتين رباعيتي الدفع، وبرفقتهم عدد من المسلحين على دراجات نارية، وأستهدفوا (3) شاحنات كان بداخلها مدنيين يهمون بالفرار، واطلق النار على كل من حاول الهرب جرياً وطارد عدداً أخر"، عدد الضحايا غير ثابت للأن، والمصادر تضاربت أقوالها، القتلى ترواح عددهم بين 10-12 شخص عُرف منهم (4) أشخاص للأن، بينما لم اتمكن من معرفة أسماء البقية، وعدد المُختطفين مختلف فيه كذلك، مصدر قال أنهم 20 وأخر قال أنهم حوالي شخص 50، وحسب شهادة أحد الناجين الذي فقد أخته في الهجوم ولازال مصيرها مجهولاً للأن، فقد تمكن هو وعدد من المدنيين من الفرار نحو منطقة T2 "الكم"، ونحو تدمر، ومن بين هؤلاء الفارين مصابين تمكنوا من النجاة بعد هروبهم بسيارة "شاحنة صغيرة" حيث وصلوا لمنطقة الــ T2 - المحطة الثانية والتي تعتبر نقطة تمركز لقوات النظام، ونقلتهم الأخيرة لتدمر لاحقاً بنفس سيارة المُصابين، ومن بينهم شقيقتان هن "هبة وحميدة الحسن"، إصابتهن خطيرة ولازلن في المشفى لتاريخ 18 من فبراير. 

- عن مصادر من تدمر هنا أسماء المتوفين بهجوم تنظيم الدولة "داعش":
1-إسماعيل العليو (إعدام ميداني) 
2- عويد سليمان السيومه بــ (إستهداف سيارة)
3- حمود الأكرم المحمود
4-ريم إبراهيم المنصور
5- سيدة مجهولة الهوية

- أسماء المُصابين الذين وصلوا مشفى تدمر، حسب مصدر طبي رسمي: 
1-غسان أحمد معيني 
2-هبة حميد الحسن
3-حميدة حميد الحسن
4-فايزة سلمان السلمان 
5-أحمد الخليل
6-فاطمة سرحان العبد الله
7-أحمد غازي جبل
8- فضة عمر يوسف
9-مصعب احمد المحمود
10-إبراهيم المنصور

والجدير بالذكر أنه وقبلها بيوم وبتاريخ 10 فبراير قالت مصادر موالية للنظام أن هجوماً لتنظيم داعش استهدف مجموعة من المدنيين أثناء بحثهم عن الكمأة بريف سلمية شرقي حماة، مما أدى إلى مقتل 3 أشخاص. 


المجزرة الثانية (مجزرة الظبيات) 

في مساء يوم السابع عشر من فبراير وصلت أنباء مجزرة كبيرة راح ضحيتها العشرات من أبناء تدمر رمياً بالرصاص وجميعهم من أبناء قبيلة بني خالد، على يد داعش تنظيم داعش حسب ما أفادت به وكالة سانا الموالية والتي قالت في خبرها ذاك اليوم بوقوع مجزرة في تدمر راح ضحيتها (53) شخصاً وصلت جثامينهم لمشفى تدمر، قضوا برصاص تنظيم الدولة أثناء جمعهم للكمأة شرق السخنة بريف حمص، من بين القتلى (7) جنود وعناصر شرطة من منتسبي النظام، والبقية (46) مدنياً من بينهم نساء وأطفال. 


الهجوم حصل في منطقة "الظبيات" جنوب السخنة بريف حمص، حسب شهادة شخص تواصلت معه، قال أحرق داعش (4) سيارات لمدنيين حيث استهدف اثنتين منهما بقواذف RPG، بينما أحرق سيارتين أخريين في وقت لاحق من ذلك اليوم، وهناك حوالي 30 شخصاً في عداد المفقودين لليوم بينهم نساء. 


 الهجوم ومناظر الضحايا المؤلمة أحدثت ضجة في عموم البلاد، وغطت أخبار المجزرة حدث كارثة الزلزال، وغالبية وكالات المعارضة السورية، والناشطين قالوا أن المجزرة أرتكبتها ميليشيا فاطميون المنضوية تحت جناح الحرس الثوري الإيراني، لسنا هنا لمناقشة إجرام ميليشيات إيران بحق السوريين طوال سنوات، لكن إدعاءً كهذا يبدو سخيفاً وساذجاً بالنسبة لصحفيين سوريين أو وكالات إعلامية تبتنه، فهو ينم عن جهل بطبيعة ما يحصل في البادية والشرق بالعموم، فداعش دوماً يقتل مدنيين في البادية وشرق والبلاد، والهجوم للمتابع للبادية ليس بجديد، لكن هنا كانت أعداد الضحايا صادمة، ومناظر القتلى كذلك، ولم يفكر أحد بالتواصل مع أحد من أقارب الضحايا أو الناجين حتى، ربما ضعف التواصل وإنعدامه كذلك بالذات في منطقة كتدمر، وغياب أي عمليات رصد وتتبع لأخبار البادية وداعش من قبل إعلام المعارضة إيضاً، والذي سارع بنشر صورة منقولة في فيسبوك لبيان قيل أنه لقبيلة بني خالد جاء فيه تنديد بالمجزرة، وأن ميليشيا فاطميون هي من أرتكبت المجزرة، واللافت أن البيان لا يحمل أسم أي شخصية من القبيلة، ومصدره صفحة FACEBOOK حديثة الإنشاء. 


مع ذلك فالرواية هذه هي السائدة والمتداولة وطبيعي جداً برأيي فقبل حدوث المجزرة لا أحد لديه إطلاع عن مجريات البادية إلا مجموعة ناشطين وصحفيين غربيين باتوا ملمين بما يحدث، عكس السوريين المغيبيين تماما عن اخبار هذه المناطق، شهر فبراير الجاري كان ساخناً بهجمات داعش بالذات في المناطق التي حصلت فيها المجزرتين، وهاجم كذلك قبلها مجموعة من الكماية في بادية حماة وقتل منهم (3) كما أسلفت. 

📎 بيان عشيرة المراوين من بني خالد


في سياق متصل حملَ رئيس مجلس عشيرة بني خالد في حمص الوجيه "عامر الحمود البوادي" القيادة العسكرية التابعة للنظام في حمص ما حصل في الظبيات بحق أبناء بني خالد والذين قضوا برصاص داعش، وأشار أن الفساد لدى بعض الضباط كان له دور في المجزرة، حيث تحتكر عدة قيادات عسكرية من النظام في تدمر مساحات واسعة من الأراضي في البادية في محيط تدمر، وتمنع المدنيين من البحث فيها عن الكمأة، مما دفع بأهالي البادية للتوجه لمناطق بعيدة تعتبر مرتعاً لتنظيم داعش، فمنطقة الظبيات شهدت خلال فبراير الجاري نشاطاً ضخماً لتنظيم داعش ولافت، والذي هاجم عدة نقاط عسكرية للنظام، وتمكن من أسر عسكريين موالين للنظام في عمليتين منفصلتين أحدهما من مرتزقة فاغنر بيلاروسي الجنسية قرب T3.

وطالب عامر الحجي رئيس مجلس قبيله بني خالد في حمص وأحد وجهائها بمحاسبة المدعو "هويدي الحسن السخني" وهو أحد متنفذي النظام في تدمر وريف حمص الشرقي، والذي يعتبر واجهه لعدد من ضباط النظام حسب كلام الحجي، ويقوم بأحتكار اراضي البادية ومنع المدنيين من الأقتراب منها لجمع الكمأة، مما دفع بعضهم للذهاب لمناطق خطرة يتواجد فيها تنظيم داعش، وحصل ما حصل لاحقًا.
وتبرز أسماء عدة شخصيات من رجالات النظام المتهمين بالفساد، ويعتبرون سبباً في ماحصل، ولعل أبرزهم اللواء مالك حبيب رئيس المخابرات العسكرية في تدمر، والذي يحتكر عمليات جمع الكمأة من خلال أربعة أشخاص هم هويدي الحسن وعبد الكريم الحريري وحسان العزيز ومهنا السويف، وللتنويه فعمليات جمع الكمأة تتطلب أذناً رسمياً من مجلس مدينة تدمر، ومركز قيادة الشرطة، والسيستم المعمول به حسب مصادر من تدمر كالتالي: يجب أن تتكون المجموعة الواحدة من جامعي الكمأة من 100 شخص على الأقل، لترافقهم قوة عسكرية من الشرطة والجيش أو الدفاع الوطني مكونة من 30 عنصراً كحد أدنى، ويأخذ الضابط المسؤول والمرافقين حصة من الكمأة، لكن ما حصل في تدمر خلال المجزرتين يتحمل وزره ايضاً الأهالي فقد خرجوا في مجموعتين كبيرتين متباعدتين عن بعضهما البعض، ورافقهم (9) عناصر فقط من عسكر النظام بين شرطة وأمن عسكري، متجاهلين خطر داعش، وخلال هجوم التنظيم قُتل (8) من هؤلاء العسكر على يد داعش بينما نجى عنصر وحيد ووصل لتدمر ونجى معه عدد أخر من المدنيين تتراوح أعدادهم بين 80-100 شخص تقريباً.

أخر أتصال أجريته مع أقارب للضحايا في تدمر، أخبروني أن العشرات من أبناء قبيلة بني خالد في ريف حمص والبادية طلبوا من قيادة النظام تجهيز حملة ضد داعش للبحث عن المفقودين والإنتقام، لكن المطلب لم يُبت فيه للأن، وسط توارد أنباء عن قرب حملة عسكرية للنظام ستتم في قطاعات البادية وتستهدف داعش، إنطلاقاً من تدمر ودير الزور والرقة وربما تشمل شرق حماة إيضاً والتي عاد داعش للظهور فيها لأول مرة منذ ديسمبر 2021 حيث حصل فيها هجوم لداعش بتاريخ 15 فبراير الجاري، حين أعدم التنظيم (3) مدنيين قرب عقيربات، ونشر المركز الاعلامي لعشيرة المراوين في FACEBOOK بيانا قال فيه ان كل بيانات الفزعة والانتقام التي تملأ مواقع التواصل لا تمت للقبيلة بصلة، وسننتقم في المكان والزمان المناسبين، هذا وملأت مواقع التواصل عشرات الفيديوهات المزيفة التي تتحدث عن حشود للقبيلة في البادية. 
وللتنويه في دير الزور لازال المدنيين لايجرؤون على التوغل في مناطق البادية بسبب خطر داعش، ويتجنب كثيرون الذهاب لهناك، وخلال موسم الكمأة الحالي لم يذهب أحد من المدنيين، واقتصرت عمليات البحث عنها على منتسبين لميليشيات النظام يذهبون في مجموعات كبيرة، ووصل سعر الكيلو ما بين 17-30 ألف ليرة، المدنيين يعزفون عن الذهاب خشية من هجمات داعش ومن الألغام، وسبق للتنظيم ان خطف وقتل العشرات من الديريين في البادية، بتاريخ 17 فبراير الجاري قتل عنصران من ميليشيا الحرس الثوري الإيراني في بادية القورية شرق دير الزور بأنفجار لغم أرضي، قيل انهما كانا يجمعان الكمأة. 


في الختام يلجأ كثيرون من أهالي بوادي حمص وحماة اليوم للبحث عن الكمأة لبيعها، فهي غالية الثمن، لإعالة عوائهلم ولايبحثون عنها للأكل فقط، وهناك تجار يصدرونها لدول أخرى، ويسيطر على السوق ضباط تابعون للنظام في تدمر، وجميع الضحايا الذين قتلهم داعش من المدنيين ذهبوا لطلب قوت يومهم، وأنتهى بهم المطاف قتلى بطريقة بشعة. 


- هنا تسلسل وتوثيق لنشاط داعش في البادية خلال شهر فبراير الجاري، من الفترة الممتدة 03-20 فبراير 2023 :


1- 02.02.2023 مقتل قيادي بالدفاع الوطني ببادية دير الزور 

2- 05.02.2023 مقتل جندي من طرطوس قرب تدمر

3- 07.02.2023 هجوم فاشل لداعش قرب حاجز للفرقة 11 التابعة للنظام في آرك بتدمر

4- 10.02.2023 قتل جندي للنظام بإنفجار لغم شرق تدمر

5- 10.02.2023 كمين لداعش في أثريا بحماة أسفر عن مقتل (3) من جامعي الكمأة

6- 11.02.2023 مجزرة بحق جامعي كمأة في مرير قرب T3

7- 11.02.2023 هجومين متتالين لداعش على قطعة عسكرية للنظام قرب آرك بتدمر

8- 14.02.2023 قتل جندي وخطف مدني قرب دويزين شرص حماة وهو أول ظهور لداعش هنا منذ 2021

9- 15.02.2023 استهداف جامعي كمأة قرب عقيربات بحماة، اصيب (3)





























تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرة مبسطة لمجريات البادية

حصيلة البادية لشهر مارس 2024

تقرير البادية لشهر فبراير 2024

حصيلة أحداث شهر أبريل في البادية

خلافة من ورق - التيارات المتصارعة داخل التنظيم