- التيارات المتصارعة داخل التنظيم


خلال سيطرة تنظيم داعش على أغلب مناطق شرق سوريا وفي أوج قوتهِ كان التنظيم َيظهرُ أشبه بدولة حقيقية منظمة، كان العام 2014 وبداية العام 2015 فترة ضبط أمن، وتصفية خصوم ومعارضين للتنظيم، ضرب داعش بيد من حديد أعتقل عشرات الشباب والأشخاص الموالين للمعارضة والفصائل الإسلامية في ديرالزور والرقة والحسكة ومنبج، منهم من أختفى لليوم، ومنهم من تم أعدامه، وصودرت أملاكه، كما تمت مصادرة أملاك كل شخص يعيش خارج مناطق سيطرة التنظيم، كان تنظيم داعش كمنظومة موحداً آنذاك، معارك كثيرة وجبهات مشتعله وتقدم مستمر في العراق وسوريا، وأراضي جديدة يتم السيطرة عليها ،بالذات خلال العام 2015، لم يكن هناك بوادر توحي بوجود صراعات داخل هيكلية التنظيم، في العام 2014 تنامت قوة التيار "الحازمي" داخل التنظيم، وهذا التيار المُسمى بالحازمي منسوب للمدعو "أحمد بن عمر الحازمي" وهو شخص سعودي الجنسية وأكبر مُنظري وقادة الجناح التكفيري داخل داعش، وصاحب نظرية "التسلسل بالتكفير" الشهيرة، والتي تنص على أن «الذي لم يكفّر الكافر هو كافر بالإطلاق مهما كان عالمًا كان أو جاهلاً» وشكلَ أتباع الحازمي داخل التنظيم أول حالة أنفصال جذري وكُلّي عن داعش، كان هناك قيادات تابعة لهذا التيار داخل التنظيم وصل الأمر بها لمحاولة إصدار بيان فتوى لتكفير كل السكان السوريين والعراقيين الذين سبق ولجؤوا لمحاكم مدنية سابقاً، ومصادرة أملاكهم ونفيهم خارج مناطق التنظيم، لكن القرار سببَ ضجة داخل هرم السلطة في التنظيم ورأووا انه قرار خطر جدا ولعب بالنار، وتأليب للعامة عليهم، لكن قيادات داعش رفضته آنذاك، ووصل عدد معتنقي هذا التيار لمناصب قيادية في التنظيم، لكن لم يكونوا بتلك القوة وأعدادهم قليلة، وكانت قيادة داعش تراقبهم بصمت، بل واعدمت عددا منهم ممن تعالت اصواتهم، وكان اولهم المدعو " أبو عمر الكويتي" والذي اعدم عام 2014 بعد ان اصدر فتوى قال فيها :(ان لم يكفر الظواهري زعيم تنظيم القاعدة كافر حتى ولو كان أبا بكر البغدادي نفسه )  واحدث ضجه في الرقة بعد تكفيره لعدد من قيادات التنظيم لرفضهم نسف عدة قبور صوفية، الرجل صنع ضجة كبيرة لذلك قررت قيادة داعش التخلص منه، وتم اعدامه فعلا 2014 قرب مدينة الطبقة ثم رميت جثته لأيام في العراء والتهمة شق صفوف المسلمين واثارة الفتنة، كذلك كان هناك جزار الشعيطات "أبو عبد الله الكويتي" والتي أكدت مصادر أنه قد أعدم كونه من معتنقي هذا التيار ومعروف الرجل بالغلو اللامتناهي، بينما ذهب أخرون أنه أعدم بتهمة العمالة، والرجل هو الذي أفتى بذبح أكثر من 800 شخص من أبناء عشيرة الشعيطات 2014 وأستباحة أموالهم وأملاكهم وأعراضهم، وقتل من بلغ الحلم منهم، لكن حيثية الأعراض لم يطبقها التنظيم بسبب تدخل عشائر وقيادات محلية من داخل التنظيم.

حاول شرعيي تنظيم داعش و"اللجنة المفوضة" احتواء أنصار التيار الحازمي لكن تنامي سطوة الاخير أدت لقلق مستمر داخل جسم التنظيم، وأدى لاحقاً خلال الأعوام 2017 و 2018 لصدامات مسلحة بينهما ووصلت لتكفير البغدادي نفسه !

مع نهاية العام 2016 أشتد الضغط على داعش من قبل التحالف الدولي في العراق تحديداً، وبات التنظيم يتهاوى في سوريا كذلك مع تدخل الروس بشكل اكبر، ضاقت الدائرة على التنظيم، وبدأ العشرات من عناصره الاجانب والمحليين بمحاولة الفرار والهرب، بعضهم نجح وقسم اخر تم القبض عليه واعدامه علناً بتهمة "الردة" تم القبض على مهربين محليين وتم اعدامهم كذلك، اغلق التنظيم مناطق سيطرته اكثر ومنع الجميع من المغادرة، أزدادت تكاليف التهريب خارج مناطق سيطرة داعش، تواصلت عمليات هروب السكان المحليين نحو الخارج، ومع ضخامة الاعداد احس التنظيم بالخطر فعلا، بدأت تتعالى اصوات الخلافات الداخلية، تم اكتشاف عدة شبكات تجسس داخل جسم التنظيم في العراق وسوريا.

مع بداية العام 2017 بدأ ازدياد الضغط على داعش من قبل التحالف والحشد الشعبي والجيش العراقي غرباً، وشرقا من طرف قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي في شرق الفرات، اضافة لجيش الأسد وروسيا وميليشيات ايران في غرب الفرات، اشهر قليلة وتهاوى تنظيم داعش وفقد 97% من أراضي كان يسيطر عليها، وانحسر نفوذه فقط في مناطق تسمى "جيب هجين" اقصى شرق ديرالزور وتتبع للبوكمال وتضم مناطق "مدينة هجين وبلدات السوسة والشعفة والباغوز"، حيث تم حصار التنظيم فيها من قبل قوات قسد والتحالف الدولي، ومن جهة العراق كان الجيش العراقي والحشد الشعبي، ومن الخلف كان نهر الفرات وقوات جيش الاسد، أختزلت هذه المنطقة الصغيرة اخر أراضي ما كان يعرف بدولة الأسلام في العراق والشام.

مع أشتداد الحصار على التنظيم وتضييق الدائرة عليه بدأت الخلافات تطفو على السطح بين أخر ثلة من مقاتلي ومناصري التنطيم المتواجدين في جيب هجين، المئات من المقاتلين المتبقين هناك محاصرون تماماً، كان الغالبية من المهاجرين والعراقيين وبينهم سوريين كذلك مع عوائلهم، اضافة للمئات من اهالي تلك المناطق وبعض النازحين من مناطق اخرى، اشتد القصف الجوي والبري، وتضغط قوات سوريا الديمقراطية «قسد» بدعم من التحالف الذي كان يشرف على الحصار هناك، معارك كر وفر دامية، دامت عامين ونصف، عشرات القتلى من الطرفين، وهُدن متعددة بينهما تخللها ادخال طعام ومواد طبية، وتبادل أسرى، وهروب يومي لعشرات المدنيين يتسلل بينهم عادة عدد من عوائل مقاتلي التنظيم وعناصرهم، تتقدم قسد تارة ويعود للتنظيم تارة، قصف التحالف الجوي اوقع عشرات القتلى من المدنيين هناك، استخدم كذلك الفوسفور الأبيض مرتين على مدار اعوام الحصار، ازداد الضغط على التنظيم اكثر فأكثر، وسقط،الكثير من المدنيين بسبي انفجار الألغام كذلك أثناء محاولتهم الهرب.

في نهاية العام 2018 تداول بعض المدنيين الخارجين من مناطق هجين وقبيل نقلهم لمخيم الهول معلومات تتحدث ان زعيم التنظيم "ابو بكر البغدادي" موجود في نواحي "هجين" المحاصرة، الرجل كان قد اختفى ابان انهيار التنظيم المتسارع لم يدلي بأي كلمات أو تصريحات لفترة أبان أنهيار داعش المتوالي، واعلام التنظيم كان صامتاً حوله، مع قدوم شهر يناير 2019 خرج احد عناصر تنظيم داعش المغاربيين هارباً من الباغوز، قبضت عليه قوة عسكرية محلية من قوات قسد تتبع لقوات النخبة، الرجل قال كلاماً غريباً عند تحقيق روتيني، أجراه معه، عناصر محليين، قال "البغدادي موجود هناك وقتلَ عشرات الاخوة !!

تم تسليم الرجل لقوات التحالف، حسب المصادر من هناك كان من الجنسية التونسية، تم ايداعه في معتقل في حقل التنك، احد عناصر مجلس ديرالزور العسكري والذي نتحفظ على اسمه والذي كان مسؤولاً عن نقاط الحراسة في حقل التنك سربَ معلومة هامة تفيد ان العنصر التونسي وخلال اعترافاته تحدث عن مذبحة جرت قرب الباغوز بتاريخ 19.12.2019 اقتتال داخلي بين عناصر التنظيم بعد محاولة لعناصر مغاربيين من التيار الحازمي اغتيال البغدادي زعيم التنظيم اثناء تواجده في احد المنازل مع زوجته، المهاجمون تمكنوا من قتل عدد من الحراس، البغدادي اشتبك معهم وبعدها وصلته النجدة من جماعتة وليبدأ اشتباك هناك بين قيادة التنطيم ممثلة بجماعة البغدادي وبين المهاجمين المحسوبين على التيار الحازمي واغلبهم من المغرب وتونس والجزائر وبعض السعوديين،انتهى الهجوم بمقتل المهاجمين، وبعدها شن التنظيم حملة اعتقال ضخمة طالت العشرات من المعروفين بمواقفهم المعادية للبغدادي واغلبهم مهاجرين، تم أعدام عدد كبير منهم وسجن الاخرين والذين اعدموا لاحقا في فبراير 2019 على يد "حجي حامد" والذي خلف البغدادي في جيب هجين ُبعيد عملية تهريب البغدادي نحو الشمال السوري، والتي لم تُعرف ملابساتها للان، لكن يبدو ان ثمة عملية تهريب ضخمة تمت بالتواطئ مع عناصر من قوات قسد كباقي عمليات التهريب والتي نجح من خلالها عدد ضخم من قيادات داعش وعناصرها بالوصول لتركيا، حتى ان بعضهم وصل اوربا، وثقنا عدد منها آنذاك، ولكن يبدو ان سطوة حجي حامد المعروف بشدته كانت لها الدور الابرز في انهاء التمرد والذي كان الاخير قبيل انهيار التنظيم وسيطرة قسد والتحالف على مخيم الباغوز وانهاء اخر معاقل هناك في سوريا والعراق.

ولليوم لايُعرف مصير سامي الجبوري، او الملقب بحجي حامد، على الرغم من ادعائات الحكومة العراقية عن قتله، وكذلك هيئة تحرير الشام في ادلب والتي ذكرت مرة انها قتلته، لكن يبدو ان الرجل بقي حياً لليوم، عكس البغدادي والذي لقي حتفهُ في ادلب اثر عملية للقوات الامريكية هناك.

📌 تحديث للفقرة أعلاه، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 تم أعتقال حجي حامد |

https://www.bbc.com/arabic/middleeast-58898916

الصراع الداخلي داخل تنظيم داعش كان له دور كبير بأنهيار التنظيم، ولعل تصاعد مؤيدي التيار الحازمي ورغبتهم بالسلطة كانت سبباً لعدد من الصدامات مع قيادة التنظيم في اكثر من مناسبة، وفي النهاية انتصر المعسكر العراقي في داعش وثبت نفسه من جديد على الرغم من تلاشي نفوذ التنظيم، مع ذلك لازالت هناك احاديث عن ان بعض جماعات داعش المنتشرة في البادية الشامية مثلاً قياداتها حازمية الهوى.

كانت هذه لمحة عن تلك الحيثية المتعلقة بالصراع داخل التنظيم، ويمكننا القول وبدون مبالغات ‏أن أعداد القتلى الذين سقطوا بالصراع الداخلي في داعش، يفوق أعداد من قتلهم التحالف من عناصر التنظيم، ودام الصراع طول سنوات حكم التنظيم، وحتى في الباغوز المُحاصر وصل بهم الأمر لمحاولة قتل البغدادي، هذه تفاصيل بسيطة برؤية شخص عاش تحت حكم داعش وكان شاهداً على أنهياره.

زين العابدين العكيدي

سوريا - دير الزور




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرة مبسطة لمجريات البادية

حصيلة البادية لشهر مارس 2024

تقرير البادية لشهر فبراير 2024

الفطر القاتل "الكمأة"

حصيلة أحداث شهر أبريل في البادية

خلافة من ورق - التيارات المتصارعة داخل التنظيم