عن ألطف قومية بيننا "الگرباط"

كُتب هذا النص بتاريخ 09 /مايو / 2022، بعد أيام قليلة من تسريب فيديوهات مجزرة التضامن المؤلمة في دمشق


Zain al-Abidin al-Akeedi






‏في طفولتنا بريف دير الزور وقبل عصر التكنولوجيا والموبايلات وأجيال السوشيال ميديا، كانت طفولة بسيطة للغاية صباحاً في المدرسة، وعودة لرعي الأغنام، وأنتظار وترقب لبرامج الأطفال والتي كانت ُتذاع الساعة 15:00، وعند غروب الشمس مع بداية بث القناة الثانية السورية، وفي ݪيام العطل كنا نتابعها على ‏التلفزيون العراقي الذي يصلنا بثه، وكان يتفوق من حيث نوعية البرامج على التلفزيون السوري الحكومي ذو القناتين المملتين، "واحدة بكيفك وواحدة غصب عنك"، لكن وقتنا كأطفال كان خارج المنزل بالغالب دوماً، وكانت أيامنا مليئة بالأحداث والأكشن، لعب "الطابة" والگلل او الدحاحيل، او التبة، او حگر مگر
‏أو مطاردة الكلاب، أو مرافقة صيادي العصافير، عبر النشابات، او المفاگيس، مع أنني كطفل وشاب ترعرع لاحقاً لم أتمكن من قتل عصفور واحد بحياتي، كنت أدخل بشجارات غبية أحياناً مع ابناء عمي لأنني كنت أمنعهم من صيد العصافير في بيتنا، وبيت أجدادي الكثيف بالأشجار المتنوعة، وكانت دوماً تنتهي ‏تلك الشجارات بضرب مبرح لحامي حقوق الحيوانات الساذج، لدرجة أن ذراعي اليسرى كسرت مرة وانا أحاول حماية جرو صغير من مجموعة من المجرمين الصغار من حارة أخرى حاول شنق ذاك الجرو، "يبدو أنني خرجت قليلا عن الموضوع" :/ 

كانت هناك لحظات لازالت أتذكرها كطفل وهي تلك الجموع من الأطفال ‏التي كانت تلاحق أصحاب العبائات الحُمر الذين يحملون معهم آلات غريبة، كانت كــ التي نشاهدها في التلفزيون، تُصدر موسيقى عجيبة، كان أولئك الݪشخاص يقصدون منازلاً، لا على التعيين في بلاد الشوايا، يدخلون منزلك فوراً، يستعد ݪهلك للضيف ويحصل أستنفار غير مسبوق، وحيرة ضمنية عن هوية الضيف ومقصده، ‏لايتم سؤالك الضيف عادة عما يريد وهي من آداب قومي، يُسقى القهوة ثم الشاي، ويسود الحضور صمت تقطعه عبارات الترحيب المتتالية، الى أن تحين تلك اللحظة التي يُخرجُ بها ذلك الضيف من تحت عبائته آلتهُ الموسيقية ' الربابة ' هنا يعلمون انه گرباطي يطلبُ الكرم وحسن الضيافة .. 
 عندها تبدأ الأبتسامات المتبادلة بين الحضور، "عند مجيئ ضيف عادة يحضر الأقارب للمشاركة بالأحتفاء والترحيب بالضيف" .. 

‏كنا نشاهد ونسمع تلك المعزوفات عبر شبابيك منازل أهلنا القريبة من الارض، غالبية منازلنا كانت بنفس الطراز، هواء الغرف عليل لايشبهه اي هواء، ودوماً هناك ساقية ماء، وبستان ملتصق بكل منزل، ويطغي صوت العصافير، والشبابيك، وبأمكان اي طفل اختلاس النظر منها، كنا نسمع تلك المعزوفات لأول مرة بشوق، ‏يبدأ الكرباطي البسيط اولاً بسؤال أهيب وأبرز الاشخاص الحاضرين عن اسمه، وعادةً صاحب الدار، وعندها يبدأ بمدحه بمعزوفه بدوية جميلة، وهكذا دواليك يبدأ بمدح الحاضرين ، وتنهمر عليه الأموال عادة، من فئة 50 ليرة سورية " كانت ثروة آنذاك" واحياناً " مئة ليرة" زرقاء اللون عليها صورة زنوبيا، اليوم أختفى الكرباط تماماً ..

 ‏احياناً يتداول اهل الشرق عبارات عنصرية - ذم - فحواها "شايفني گرباطي ؟" 
شبيك صاير گرباطي ؟ 
وهي كناية عن البخل الشديد وحب الذات والأنانية

أمس كنت ضيفاً في الرقة عند قريب لي، وحضر بعض الأصحاب، عندما علموا اني قريب منهم، دارت بيننا نقاشات الشارع، وكانت مجزرة التضامن حاضرة، ‏الكل تتملكه رغبة بالأنتقام والثأر، لست هنا أروج للطائفية، لكن انقل حديث شارع، وبالحديث عن الطوائف في سوريا خطرت في بالي هذه القومية، والمسماة بــ الگرباط، ذلك الشعب البسيط والطيب، والذي لم يؤذي حتى نملة، ذلك الشعب المظلوم الذي كان يتجول بيننا بسلام، عاش معنا وكنا نزدريه بعنصرية مقيته ولازلنا نفعل .. 


‏لتلك القومية اللطيفة والرحيمة ألف سلام وسلام، أما بخصوص الطائفة " العلوية" وبصراحة وهو كلام أتحدث به لأول مرة، لا أعتقد ضمنياً انه سيكون هناك شئ اسمه تعايش مشترك في بلد كسوريا مستقبلاً، ستكون هناك أعوام من الثآر غالباً، فكمية الحقد ضدهم اليوم رهيبة، ومزروعة حتى بين الأطفال والمراهقين.


📌 رابط التغريدة في تويتر 






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرة مبسطة لمجريات البادية

حصيلة البادية لشهر مارس 2024

تقرير البادية لشهر فبراير 2024

حصيلة أحداث شهر أبريل في البادية

الفطر القاتل "الكمأة"

خلافة من ورق - التيارات المتصارعة داخل التنظيم