المعلم والأمير .. من قصصنا

31.12.2022 | التدوينة الأخيرة في العام


‏مهما تقدمَ الشخص بالعُمر تبقى في القلب مكانةٌ خاصة لمُعلميه وأساتذته، وحتى إن صار زميلاً لهم في يومٍ من الأيام، تبقى العلاقة ضمنياً كعلاقة الأب وأبنه، وتستيطع لمسَ مكانةٍ مماثلة من طلابك مثلاً نحوكَ، إذا كنتَ مُعلماً، عن نفسي كان لي في حياتي معلمون رسموا خط حياتي وكان لهم الفضل عليَّ من بعد اللّه، ثم والدي، أحببت التاريخ ودخلته في الجامعة بسبب أسلوب معلمتي الديرية في الصف الرابع الأبتدائي، وبتُ لاحقاً مُختصاً لذات المادة، وكرهتُ الرياضيات في الإعدادية بسبب مدرس من الساحل، كان يتعامل معنا كحيوانات ولسنا كبشر، وسمعتُ منه أول كلمة "كُفرٍ وشتمٍ لله"، تستطيع كمعلم تغيير مسار حياة إنسان بأسلوبك، التعليم ليس مجرد كتاب مدرسي، تمُليه على الطلاب، بل هو تكوين شخصية وزرع قيّم، وأفخرُ رغم سنوات عملي القليلة بالتعليم، أن لي طلاباً لليوم يذكروني بالخير دوماً، وأمقتُ المعلمين الذين يستغبون الطلاب ويعاملونهم كالعبيد، للأسف اليوم أختلفَ الحال كثيراً في التعليم وبات عبارة عن مهازل في البلاد، وعاد لعصر الكتاتيب والسخافات في بعض المناطق، وباتت علاقة الطلاب بالمعلمين عداوة وكره متبادل وقلة إحترام، مهما بلغَ الإنسان العاقل المؤدب من مكانة ومنصب، تبقى لمعلمهِ قداسة من نوع خاص، أتذكر قصة طريفة في العام 2015‏آبان حكم تنظيم الدولة لمناطقنا، كان لدينا في المنطقة معلم مُخضرم وقديم، دَرَسَ غالبية أبناء المنطقة، وله مكانة خاصة، تقاعد ثم أختفى، كان كغيره من المعلمين المُحترمين، له شخصيتان واحدة تفرض هيبتها وأحترامها على الطلاب في المدرسة، وأخرى ودودة في الحيّ، كان لديه أبن مُنشق عن »جيش النظام، وهؤلاء الأشخاص فرضَ عليهم التنظيم الدخول في دورات شرعية مُغلقة تستمر من 20-40 يوماً تنقطع أخبارهم فيها، وهي عبارة عن سجن مغلق، يُدرسون فيه كتيب اسمه التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب، وبنفس الوقت عبارة عن تحقيقات معهم، ثم محاولات لإقناعهم للأنظمام للتنظيم، وأخيراً يتم إعطائهم ورقة "مُسلم تائب من الرِدة" بعنوانها المجازي، المهم أختفى أبنه أكثر من 50 يوماً، وبات القلق يسود العائلة، التنظيم كان لديه عادة حين يختفي أحد أكثر من 60 يوماً فقد تم إعدامه، وحصلت كثيراً، وهناك أشخاص أختفوا لليوم، حاول الرجل سؤال أقارب له من العشيرة من المنتمين للتنظيم لكن دون جدوى، فأخطروه بالذهاب للبوكمال، فهناك حسب ما قيل له عبر شخص كان مع أبنه، ان موقع السجن السري هو في البوكمال، الشاب استطاع تحديد المكان بسبب معرفته لصوت مؤذن كان أذانهُ يصل لمسامع السجناء، وفعلاً توجه مُعلمنا الكهل والد الشاب المفقود لأحد المقرات الكبيرة وطلب مقابلة المسؤول الكبير عن المنطقة آنذاك، طبعاً الرواية نقلاً عن المعلم لأصحابه، فبعد شدٍ وجذب رفض الحراس إدخاله، وقالوا له هذه منطقة أمنية ممنوعة، فجلس بعيداً عن المكان ينتظر خروج الأمير، وفعلا خرج بسيارته وركض الشيخ نحوها، فتوقفت وقال له بلسان والدٍ مكلوم، بس سؤال أريد أبني .. طالبك ، نزل الأمير الملتحي من السيارة، وإذا به يتفاجأ وكان شخصاً سئ السمعة سابقاً، فوقف بأستعداد، وقبلَ يدي المعلم، وخاطبه كطفلٍ معتذر : شلونك أستاذي، لا تواخذني"، يقول المعلم فخاطبته: " صاير أمير يوال ساگط، وصرلي من الصبح أستناك، هذا أنتَ يول يا نذل"، وفعلاً كانت هيبة معلمهِ القديم لازلت ماثلة في بالهِ، وبالفعل تم إطلاق سراح الشاب أبن المعلم، وتم نقله للعراق آنذاك، مع مجموعة من الضباط المنشقين، كونه كان منشقاً ثم له علاقة مع الجيش الحر، وبعد خروجه من السجن هربَ للشمال، كون التنظيم كان يعمد على مراقبة هذه الفئة بالذات، من التائبين الذين لم يبيايعوه لسنا هنا بصددّ شرح معاملة التنظيم مع الناس آبان حكمهِ، ما قصدته مكانة المعلم باقية للأبد، ولليوم عندما أذكرهم أحياناً في منصات فيسبوك على حسابات بعضهم ممن درسوني، يرافق أسم مُعلمي جملة طويلة من الدعاء بحفظ الله، وطول العمر لهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرة مبسطة لمجريات البادية

حصيلة البادية لشهر مارس 2024

تقرير البادية لشهر فبراير 2024

حصيلة أحداث شهر أبريل في البادية

الفطر القاتل "الكمأة"

خلافة من ورق - التيارات المتصارعة داخل التنظيم