الشوايا في الوثائق العثمانية

#الشاوي_والشاوية في الوثائق العثمانية 
..........................................

كثرت في الآونة الأخيرة الاستفسارات والتفسيرات لتسمية الشاوي، من أين أتت؟ وسبب التسمية؟ وأصلها اللغوي؟ وما لجأ إليه البعض من تأويلات وتكهنات وآراء وتوقعات لا تعدو كونها أن فسرت الماء بعد الجهد بالماء، فلا برهان قاطع، ولا دليل ساطع. فلا بد من مصدر موثوق تبنى عليه الفرائض وتستخلص منه النتائج. 
وبمراجعة المصادر العربية نجد أنها شحيحة في إيضاحها وفقيرة إلى تحليلها. 

فعرفتها لغة: (كما جاء في معجم المعاني الجامع) شاوي: فاعل من شوى. ومنها يشوي، اشو، شياً، فهو شاوٍ. وقد تجاوزت بعضها إلى أنها نسبة لتربية الشاة أي الغنم.
 وقبل الولوج في تبيان وورود كلمة الشاوي في الوثائق العثمانية، لابد من التذكير بأن هناك كلمات كثيرة في اللغة العربية تتحول من معنىً قائم بذاته إلى مصطلح يدل على حال أو هيئة أو واقع يبتعد عن أصل الكلمة. أو أن الكلمة تتحرف بتغير بعض حروفها وتشكيلها فتصبح كلمة ثانية مرادفة للكلمة الأولى. وأسباب هذا التحريف كثيرة، منها صعوبة نطق الحرف الأصلي، والاتجاه إلى نطق الحرف البديل وهو الأسهل والأيسر على اللسان، وهذا ما تفعله العامة غالباً في أكثر ألسنة البشر، فتنحرف لغات بأكملها إلى لغات ثانية كما حدث في اللغات اللاتينية . 
الشاوي في الوثائق العثمانية: 
أولاً: في عام 943 هـ 1536م أي مع بداية دخول العثمانيين إلى البلاد العربية وبداية فتح سجلات الأراضي و تدوين أسماء مالكيها، نجد في دفتر ولاية حلب في ناحية منبج وأسماء قراها، " قرية الشاوي" وفيها أسماء المالكين كـ ( ولد حسن وولد محمد وولد خميس وولد جمعة وولد ظاهر وولد عواد وولد إسماعيل وولد شيخ طوغان وولد فرج وولد يوسف ....إلخ ) 
وإذا ذُكرت المعلومة في بداية الوثائق العثمانية هذا يعني أنها موجودة قبل الفترة العثمانية، واستمرت بشكلها التي هي عليه أثناء وجودهم في المنطقة ، مع استثناء ما ندر من تجديد الأسماء والصفات المعتبرة لدى الدولة الجديدة. 
ثانياً: في عام 1103هـ - 1690م وبعد الأحداث التي جرت بين العشائر من قتال وغيره حول نهر البليخ وشمال الفرات، قامت الحكومة العثمانية بتوزيع الأراضي على العشائر، بعد تقسيمهم إلى مجموعات وفئات وأعطت كل مجموعة اسم كـ (طوائف الشاوي وطوائف السمك وطوائف بني قيس وطوائف بني ربيعة وبني عصيد وطوائف الأكراد وطوائف التركمان). وكان من جملة طوائف الشاوي والسمك من العرب هم 
(البو محمد، والبو عصاف، والبو حسن، والبو دبش، والبو مطري، والبو حيي، والبو جرودي، والبو سبيك ، والبو راشد ، والبو خميس، والبو معاذمة ، والبو عطية ، والبو مكادمة ، والبو ظاهر المرافع، والبو عبيد، والبو مبادغة، والبو سلوغة، والغينات، والصاري، والبو ظاهر، والبو رجب ، وشمار، والبو حمندي، والعفادلة ). 
ثم حدث إعادة تشكيل لتلك المجموعات عام (1113هـ - 1700م ) على النحو التالي بالنسبة لطوائف الشاوي : 
(جماعة المكادمة " المجادمة"، وجماعة بني سعيد، وجماعة الخرّاج، وجماعة حيي، وجماعة العجيل، وجماعة شمار، وجماعة بني نيف، وجماعة الجسّات، وجماعة البو سماوي، وجماعة البو نصير، وجماعة الحميدي، وجماعة المزروع، وجماعة الحمدون، وجماعة طماح) 
ويترتب على هذا التجمع دفع ثلث الرسوم الزراعية لأنهم يشكلون ثلث التشكيل العام على نهر البليخ. 
ثالثاً: في عام 1141هـ - 1728م وفي دفاتر المالية ورد أسماء من عشائر عربان الشاوي والسمك وما ترتب عليهم من رسومات مالية وهم (قبيلة الصبخة ، وقبيلة المشاعفة وقبيلة سعدة ). 
رابعاً : في بداية القرن التاسع عشر صنّفت العشائر في إقليم العراق على ثلاثة أقسام 
أ‌-العشائر البدوية: وهي العشائر الرَّحالة مربية الإبل. 
ب‌-العشائر الشاوية: وهي العشائر المستقرة في القرى وعلى ضفاف الأنهار وتمارس الزراعة والفلاحة وتربية الماشية. 
ت‌-عشائر معدان: وهي العشائر التي تمتهن تربية الجاموس. 
ويمكن للقبيلة الواحدة الكبيرة أن يكون فيها أكثر من تصنيف، كما نجد في قبيلة الزبيد ففيها العشائر الشاوية والعشائر البدوية وعشائر المعدان، كذلك قبيلة بني مالك في البصرة. أما قبيلة المنتفك ففيها عشائر المعدان والعشائر الشاوية. أما عشيرة بني لام ففيها العشائر البدوية والعشائر الشاوية. 
خامساً: في عام 1890م : عرّفت التقارير الصادرة عن لواء الزور من قبل ولاية الشام أن الشوايا هم : العربان الذين يمارسون الزراعة والفلاحة . ويبعدون عن دير الشّعّارة " مدينة الدير" ما يقرب من مسافة 50 الى 60 ساعة عنها. 
سادساً: في عام 1910م : أورد حسين حسني وهو ضابط في الجيش العثماني في كتاب مذكرات ضابط عثماني في نجد، الذي بترجمته وتحقيقه الدكتور سهيل صابان . ما يلي: 
 
 (وفي مدينة صعدة " وهي من البلاد المشهورة في اليمن " توجد قبائل يام وبني سفيان، وهما من القبائل المعروفة بكثرة عدد أفرادها، وشدة بسالتهم وشجاعتهم. ويطلق على قبائل شرارات والعوازم والعونة وصلاللا وهتيم بين العربان اسم شاوي ويعني الراعي ولا يعتد بها." أي العشائر"  
فبدو العونة و صلاللا تتجول مع عشيرة عنزة. إلّا أن هؤلاء الشواة " الشوايا" اليوم أقوياء مثل سائر العشائر) . أ.هـ ( الصفحة 41من الكتاب ) 
علق د. صابان: الشاوي يطلق على رعاة الأغنام. وبخصوص هذه القبائل ليس صحيحاً فمنهم أصحاب أغنام ومنهم أصحاب إبل. حتى إن الشرارات يتميزون من بين سائر القبائل في الجزيرة العربية بامتلاك الإبل الأصيلة. 
سابعاً: يشمل مصطلح الشاوية الذي اعتمدته السجلات المالية العثمانية مناطق كثيرة من الولايات العثمانية ومنها مناطق المغرب العربي فنجد تسمية العشائر الفلاحية التي تمتهن الزراعة وتربية الماشية بالعشائر الشاوية، ومنطقتهم تدعى اليوم بالشاوية التي هي سهل بين نهر أم الربيع ووادي الشرقاط وسهلا تادلا والمحيط الأطلسي. ولا يوجد ما يجمع تلك العشائر مع عشائر سوريا والعراق سوى الاسم.  
أخيراً: 
وجدنا بالدليل القاطع أن كلمة شاوي اطلقت على عشائر كثيرة في العراق وسوريا والحجاز والمغرب منذ عهد طويل قد يتجاوز الحقبة العثمانية وأن التسمية لم تكن وليدة القرن العشرين أو الذي قبله بل أبعد من هذا التاريخ بكثير . 
كذلك إن اطلاق تسمية الشاوية للعشيرة، والشاوي للفرد، لم تكن سُبّة أو شتيمة، فهي تصنيف لغوي أريد به التميز المهني والحياتي بين العشائر، والأصل في ذلك التصنيف هو جدولة الرسوم المالية وطريقة تحصيلها، وليس على أساس طبقي أو مالي أو ثقافي أو علمي. 
لكن ومع دخول الاستعمار الفرنسي، وما لحقه من حكومات فاسدة متتالية ، التي أهملت العشائر الفلاحية وسكان الأرياف ، ليتراجع مستوى معيشتهم وعلومهم وثقافتهم، ظهرت لدينا طبقة سكان المدن، لاسيما الكبيرة منها، التي حازت على ثروات البلاد ومنها ثمرات جهد ذلك الفلاح الشاوي، فانقسم المجتمع إلى قسمين: قسم الطبقة البرجوازية الغنية المثقفة نظيفة الثياب جميلة البناء مليئة الجياب. وقسم الطبقة المتخلفة القروية البدوية وسخة الثياب هزيلة البناء فارغة الجياب. وبدأ يترسخ لدى الجميع مصطلحات طبقية عنصرية كثيرة منها " الشاوي " "والبدوي" والضيعجي ".. إلخ. 
أمّا إذا أحببتَ أن تسمع رأيي المتواضع بمعنى كلمة شاوي اصطلاحاً: فهو تحريف لكلمة ثاوي ، والثاوي هو الشخص المقيم في المكان . قال تعالى : ( وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ) . 45القصص. فقلبت الثاء شين والله أعلم. 


                                                                     د. أحمد السلامة القيسي.
.................................................................     
 ** الدار السلطانية للدراسات والوثائق العثمانية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرة مبسطة لمجريات البادية

تقرير البادية لشهر فبراير 2024

حصيلة البادية لشهر مارس 2024

الفطر القاتل "الكمأة"

خلافة من ورق - التيارات المتصارعة داخل التنظيم

مجزرة الشعيطات الذكرى السابعه 8.8.2021