في كنف الخلافة
#في_كنف_الخلافة
(حفلة اعدام)
21 سبتمبر 2021
في العام (2015) أحكم تنظيم #داعش سيطرته على مساحات شاسعه في سوريا والعراق، بدأ حكمه لتلك المناطق الجديدة بدايةً بأسلوب ناعم، حتى انه اعطى الامان لمن حاربه بدايةً من عناصر الجيش الحر والفصائل الاسلامية، صدق البعض دعوات داعش تلك، سواء مدنيين ..او عسكريين، بعض الشعب المتعاطف مع الاسلاميين، خرج مبتهجاً (جاء حكم الله) - هؤلاء صادقون لذلك نصرهم الله !
اتذكر فتوى وجملة شهيرة للبغدادي، مرحبا بمن جائنا تائباً ولو قتل منا الف الف !
كانت تلك الدعاية كدس السم بالعسل، كانت فخاً لأمساك اكبر قدر من المسلحين المعارضين ..لداعش، او الشرعيين، او الاعلاميين، انطلت الحيلة على بعضهم، بقوا في مناطقهم، بينما غادر وهاجر (60%) من عناصر الحر والنصرة والاحرار، مجلس شورى المجاهدين الذي تكون في ديرالزور كأتحاد لمسلحي الحر وبعض الاسلاميين ومقاتلي العشائر للتصدي لداعش، خرج اغلبهم من ديرالزور الى اللاعودة ..العشرات من المنشقين من ابناء المحافظات الاخرى في سوريا، دمشق، حمص، ريف دمشق، حماة، درعا، غادروا نهائيا، بقيت اعداد قليلة منهم، تمت تصفيتهم لاحقاً.
كان داعش خبيرا بتصفية خصومه، هل حقا برأيك ان التنظيم سيعفو عن اشخاص (مرتدين) قتلوا (مؤمنين) ، والردة هنا مصطلح شهير لدى معتنقي ..التنظيم الجديد، واما الايمان في ظل خلافة داعش ، هو عبارة عن ورقة اشبه بصك الغفران البابوي في العصور الوسطى، كان يعطيه التنظيم لكل تائب من العامة الكفره، ومن اضاعه فيجب عليه استخراج اخراج فورا، والتبليغ عند مكاتب شؤون المسلمين (الحسبة) ، حتى يتم التعميم ان فلانا مسلم ..تائب، لكن دليل ايمانه ضاع، كانت مسرحيات الدورات الشرعية، المغلقة والمفتوحه الاجبارية للشعب، لهدفين اثنين: شرعي لبيان انكم تبتم ومن خالفنا كفرناه فأنتم ككفار قريش ونحن الفاتحون الجدد حاملي راية الاسلام، وللقارئ لدعوة ابن عبدالوهاب في نجد ابان انتشارها، فأسلوب داعش ..هذا جاء محاكاة لذاك المجدد الذي ذبح شيوخ نجد الحنابله، واستن قاعدة اقسام التوحيد لمخالفتهم وتكفيرهم والحكم عليهم، والا فما الفائده في نشر الاسلام من شخص حنبلي الهوى في بلد اسلام اساساً واغلب مسلميه حنابله، كانت تلك التفصيلات الصغيرة ظاهرياً، باب التكفير الجديد، والمأخوذ عن ..فقه ابن تيميه، ذاك الرجل المثير للجدل اليوم بين اهل السنة انفسهم، فمنهم من يراه مجددا مقدسا شابه الانبياء ومنهم يراه صاحب بدعه (يستتاب ثم يقتل)، لست بصدد التعمق في مسائل فقهيه خلافيه، لانها بحر لا يسلم خائضه من البلل، اما السبب الثاني فكان للكشف عن المعارضين لداعش قبيل دخوله ..فدعوة داعش كانت واضحه، الجميع يأتي للتوبه، ومن سكت وخالف فُيقتل، وفعلا تم قتل العشرات على الشبهه، لازلت اتذكر جاري احمد ذو 23 عاما في الميادين، كان شقيقه في الجيش الحر وارتقى معارك ضد داعش، كان منزله قرب دوار الحزب في الميادين، لم يتبق الا هو لوالديه، لم يكن له علاقه بالسلاح ..او الجيش الحر، قبض عليه داعش 2014 وسجنه وبعد 20 يوما تفاجأ اهالي الميادين بحفلة اعدام قرب الدوار، كانت عيون الشباب السته مغمضه بواسطة قطع من القماش الاسود، راكعين على ركبة، مكتوفي الايدي للخلف، كان ذاك اول مشهد اعدام جماعي يراه اهل الميادين، كبيرهم وصغيرهم، كان داعش موجودا هنافقط منذ 3 اشهر، كان اؤلئك الشباب من ديرالزور، احدهم من البوكمال، العشارة، الحوايج، والميادين واثنان من ديرالزور المدينة، كانوا سته، قطع التنظيم شوارع المدينة اصطف الناس وساقهم نحو الدوار، كان الجمع كبيرا ، كانت حلقة دائرية يتوسطها (6) شباب، يقف رجل ملثم معه (10) عناصر ..ملثمين لداعش، فجأه جلبوا له ساطورا كبيرا من سيارة (بيك اب) كان الجو مليئا بالرعب والاهالي مصدومون ، كان هناك عشرات الاطفال يتابعون بخوف، بدأ احد الدواعش بألقاء التهم وذكر الاسماء، والتهمة (الردة) ، كانت قميص نادي تشيلسي الازرق والمقلم بالابيض مألوفاً عندي، لم افكر صراحة انيكون ذاك الشاب (احمد) - لم يخطر ببالي انه هو - فجأة ذُكر اسمه، حلت الصدمة على الحضور، وبدات حفلة الاعدام، كان الشباب يصرخون - ومنهم احمد - لازال صراخه يملأ ارجاء دوار الحزب كلما مررتُ به، ومنظر الرؤوس المعلقه لايقارق بالي، عند الضربة الاولى سقط رأس شاب من ديرالزور ..كانت التهمة (اعلامي) ، تلاه شاب من العشارة التهمة الردة، وتوالت كلمة #ردة وصولا لاحمد كان قبل الاخير - كانت الدماء تملاء المكان، وصلت لاقدام بعض الناس، دفعم عناصر التنظيم للوراء، لم اكن انظر للرؤوس او الدم، كانت عيوني مصوبه نحو طفل لم يتجاوز السابعه - كان منظر الدم امامه ..رعبا، ظل مدة طويله فاتحا عينيه، حاول والده ان يغطي عيونه او يحجبه، لكن الطفل ابى الا ان يشاهد، كان فضولا للدم، كانت حفلة الاعدام تلك بداية عهد الدم والرعب لخلافة داعش، وصل الدور لأحمد - صاح للمرة الاخيرة (والله مظلوم مظلوم مظلــ ..) نزلت رأسي للارض لم استطع ان انظر، انقطع الصوتفجأة، تعالت صرخه من الخلف (الله اكبر) كان عمه، يبكي بحرقة قلب، ظن عناصر داعش ان التكبير موالاة لهم، تبقى شاب من الحوايج ضربه السياف على عجل بالسيف، لم تقطع رقبته بعد - اعاد الكرة- ثم سقط الرأس، انتهت المجزرة ..
قام عناصر داعش الملثمين .. بحمل الرؤوس الستة ..وضعوها على الدوار، بشكل دائري- تم حمل الجثث في سيارة خاصة واخذوها للبادية، ركض عمهُ خلفهم : وين ماخذينهم - نهره داعشي بجلافه : اجسادهم القذرة للطير والكلاب ..
كانت عادة داعش ان ياخذ الجثث نحو البادية يلقيها هناك في العراق او في وديان بعمق البادية ..
<تلك الليلة كانت سوداء في الميادين، لم نكن نعلم ما يجري، فجأة وعلى تطبيق SKYBE ارسل لي صديق من البوكمال رسالة، كان مدرس فلسفه : جرت لدينا اعدامات لعشرة شباب! صحيح انتم زاد ؟!
كانت حفلات اعدام في سائر ديرالزور - مقصودة ان تكون متزامنه - كانت في الميادين والبوكمال وموحسن ..البصيرة - الصور - كانت انذارا لعهد جديد وتنبيه للتوبه بسرعة قبل فوات الاوان .
بعد ثلاثة ايام توفيت والدة احمد، بجلطة حزن عليه، لم نشاهد احمد ولا مرة يحمل سلاحا، كان سبب اعتقاله واعدامه غير مفهوم للكل .
والده اصيب بصدمة نفسيه لم يكن يتكلم مع احد ، مرت ايام، وليصل بيكاب ..فيه عنصران لداعش طلبا والد احمد، خرج العجوز بلحيته البيضاء يمشي ببطئ، دار حديث قصير ، انفجر والد احمد بالتكبير ،ضحك ثم بكى، كان اهل السوق يتفرجون من بعيد ماذا هناك، جن الرجل !!
اقتربوا منه - وكل الله حجي - شنو بيه ؟
ابو احمد : قال جايين يتعذرون انهم قطعوا راس ابني بالغلط !يريدون يعطوني (10) ملايين مشان دية ابني !
كان يبكي ويتكلم بحسرة ، يبتسم مرات .. اختفى صوته !
انهى ذاك الداعشي بلكنة تونسية كلامه : ولي الامر يحق له الخطأ وذكر حديثا لاحد السلف ..!!
علت وجوة الجميع ملامح غضب هستيري، احس صاحبه بذلك ، سحب سلاحه الكلاشنكوف ثم قالا لابو احمد ..راجع الحسبة من اجل ديتك ، والصبر الصبر ..
- كانت موقف فتح الباب لعشرات الاسئلة عن ماهية هذا التنظيم وعقليته، قطع رؤوس امام اطفال، واعتقالات واعدامات عالشبهه الخ ..
تم اعدام احمد بسبب ذكر اسمه بالخطأ انه جيش حر لم يتب ، لم نفهم لليوم كيف اعدموه وعلى اي اساس ؟من حقق معه؟
كنت متيقنا انها كانت عمليات اعدام مقصوده، لم تكن هويات الاشخاص المعدومين على يد داعش مهمه، بقدر ما كانت سياسة ممنهجه .
تلت عمليات الاعدام تلك المئات منها، كانت دوارات المدن والبلدات تحفل بعشرات عمليات الاعدام الشبه يوميه، واما الاطفال، كنا نزور الميادين ..والبوكمال والقورية، تتلقانا جثث بدون رأس معلقه على صليب، وعلى ظهر كل جثة لافته من كرتون عليها اسم شخص والتهمة، كانت روائح الجثث قاتله، يعترض السكان عليها ، يرفض التنظيم ازالتها الا بعد (6) ايام عادة .
لا يمكنني وصف تلك البيئة التي كنا فيها في ظل داعش، كنا محكومين بالسيف ..تزين مدننا الرؤوس، وشوارعنا يكسيها السواد، ووجوه غريبه، اغلبها اسيويه، كانت الباكستانيات تملأ الميادين، لوهلة ظننت اني في فيلم يحاكي كابول، كان اسم الميادين في بداية 2016 كابول حرفيا .. بعد نزوح ضخم لعشرات الدواعش هاربين من العراق اليها، كنا نعيش تحت قصف يومي،..
* تصحيح : يلقيها في الوديان وفي البادية -
كلمة العراق سقطت سهواً - (نص تنبؤي من الكيبورد) .
رابط التغريدة في حسابي على تويتر
تعليقات
إرسال تعليق