واقعنا

‏موضوع مُكرر ولكن أعيده كثيراً فقط لعل الصورة تصل، هنا في الداخل السوري وفي الشرق تحديداً، باتت الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً بشكل متصاعد وملحوظ، يوماً بعد يوم، الفئة العظمى من الناس باتت عاجزة حرفياً عن شراء خبز "اليوم"، الأسعار ترتفع بشكل هستيري، والمواطن لم يعد مبلغ مليون‏ليرة يسعفهُ للصمود بشهر مع عائلته، هذة فئة الشعب التي تعتمد على الحوالات الخارجية، فما بالك بمن لايملك أحداً في الخارج يساعده !
هؤلاء وجباتهم فقط خبز، لك ان تتخيل ان وجبات الافطار في رمضان باتت بمجملها في الارياف عبارة عن نباتات برية بشكل يومي "خبيزة" و "جنيبرة" ..‏وبعض الاحيان برغل، وكلامي عن معايشة واقع، وليس انشائياً، أما اللحوم فهي من الترف، واللحم يتذوقه بعض الناس فقط في عيد الاضحى، او بعض ولائم اهل الكرم، والميسورين الذين يوزعونه احياناً، اما لحم الدجاج فبات فقط لطبقة معينة من الناس ولمرات فقط شهرياً، في دير الزور مثلاً‏لم نكن معتادين على طبخة " ارجل الدجاج" اليوم باتت سائدة جداً، في السابق كان من المعيب بيعها من اصحاب المحلات، ولم يكن احد يفكر فيها، وكانت تروى انها تطبخ في بعض المناطق، اليوم باتت واقعاً لمن لايستطيع شراء اللحم، الاسعار ترتفع بشكل جنوني، وصل مثلا سعر كيس طحين 50 كغ لــ 145 الف. 



في دير الزور، وغير متوفر ويأتي تهريب عبر الفرات من الجزيرة، وهناك ازمة قمح قادمة في سوريا، فهذا العام الموسم الزراعي هو "صفر" بسبب قلة الاراضي المزروعة، بسبب هجرة اصحابها، وغلاء مصاريف الزراعة، وتدني الدعم والسماد، ومضايفات النظام للفلاحين كما حصل العام الماضي‏الناس تحتار بمصيرها ومصير ابنائها، اين المفر ؟
في مناطق قسد الفقر والفساد،والفلتان الامني وصل لمراحل مرعبة، وفي مناطق النظام لاسكان، وفقر مدقع وركود ومضايقات من مختلف الميليشيات وسط ارتفاع معدل الجريمة في عموم المناطق، وهو شئ لم يكن مألوف، الاسبوع الماضي في مدينة الميادين‏رويت حادثة سرقة باتت اعتيادية وهي ترك ملاحظة من طرف السارق، حيث تم سرقة قنينة غاز من احد المنازل وترك السارق ورقة مكتوب عليها "سامحني اخويا - اقسم بالله خبز ما ذقناه من اسبوع "!! 

البيوت المسروقة باتت تختار بعناية وهي لاشخاص ابنائهم في اوربا، وهي حصيلة البيوت المسروقة فعلاً‏لا أعلم اين نسير بالضبط، جميع الطرق مغلقة، حتى طريق تركيا والعراق بات مهلكة ومكلف، وطريق اوربا بات من المستحيلات كون اجور التهريب وصلت لــ 13000 يورو، والواقع جحيم، كل هذا يفرز مشاكل ومصائب اخرى في المجتمع الذي ينهار رويداً رويداً، وتبرز اليوم مشاكل لم نكن نراها سابقاً‏اليوم زواج قاصرات، واجبار، يزداد بشكل ضخم، حالات طلاق، العنوسة تزداد، الانحلال، المخدرات، القتل، السطو المسلح، الاخلاق تغيب ولا رادع، والكوارث في المخيمات اكبر بكثيررر من المدن والبلدات، وحتى ثقافة مدينة اختفت، اليوم المدن هي تجمعات بشرية اقرب منها للقرى البدائية الفوضوية‏ارخص شئ بهذه البلاد هو الانسان، وحياته وكرامته، نعيش في اسوأ عصر وزمن للأسف، اذكر هنا حادثة حصلت منذ مدة ترتبط بقضية مفزرات الواقع اليوم :

في محافظة ما من محافظات الشرق هنا، عائلة مكونة من سيدة ارملة وابنتيها، تسكان منزل على العظم ، صاحب المنزل شيخ كبير بالعمر طلب الأجار منها‏ بالدولار، قال " الليرة ماتوفي " السيدة تعمل في الخياطة ووضعها صفررر، وبعد نقاش طويل اقترح عليها : ان تتزوجه هو، وتزوج ابنتها لأبنه المتزوج على ضرة، وابنتها قاصر 16 سنة !! 

وبعد رفضها وتهديدها، طردها من المنزل !‏الاستغلال للبشر مقرف، ولمعاناتهم، اليوم شبابنا تتخطفهم مختلف الجهات، وهم يائسون وهدفهم فقط الصمود، لست ابرر لأحد، لكن هل تسائلت لماذا ينتسب ممرض او معلم للحرس الثوري ؟ او قسد ؟ او داعش ؟ فما بالك بشخص اُمي ؟ لدينا اليوم 9 اجيال بدون تعليم !‏وواقعنا مُزري، وتتحكم فينا مافيات بشر، الكل يتاجر بالبشر هنا، الانسان هو السلعة الارخص والمتاحة للكل، وهناك كلام وحالات اقسم بالله اني اخجل من ذكرها، نحاول قدر الامكان ان نكون متماسكين قدر الامكان، لكن صعب صعب ان نحتفظ بما تبقى لنا من وعي وادراك وعقلانية، احلامنا باتت حرام علينا‏أسف على كلامي : لكنك انت ايها السوري يامن تمكنت من الخروج ومغادرة هذا الجحيم المسمى سوريا، اقول لك " انك نجوت " وتاريخ ولادتك هو تاريخ مغادرتك لهذا المكان المسمى " وطن ".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرة مبسطة لمجريات البادية

حصيلة البادية لشهر مارس 2024

تقرير البادية لشهر فبراير 2024

حصيلة أحداث شهر أبريل في البادية

الفطر القاتل "الكمأة"

خلافة من ورق - التيارات المتصارعة داخل التنظيم